الاثنين، 7 يوليو 2014

أقنعة || قصة قصيرة *

لم أكن أظن يوماً أنني قد أراك على هيئتك الحقيقية، بدون قناع المثالية . كم  أتمنى  لو

 أنني أمتلك القدرة على إسقاط أقنعة الجميع  قبل أن أعرفهم . فلم أظن يوماً 
أنكِ ستخذلينني أو أنك ستغدرين بي ، لم أكن أعتقد أنك أنت أيها المحترم تفعل ذلك ، لم يكن ليصل خيالي وتصوري إلى أن تكوني أنتِ ، تلك التي كانت فنظري المثالية تصبح إحدى غلطاتي التي لم ارتكبها ، لم أكن لأعتقد يوماً أنك ستكونين ممثلة بارعة أجادت دور الخلوقة و المتمسكة بالدين وفي الحقيقة أنت على النقيض !!. تلك الأقنعة التي نراها ما هي إلا منظر خارجي ، زيف من المشاعر والكلمات , كذب متوالي , وأقوال تناقض الأفعال . هكذا هم الكثيرون يرتدون أقنعة المثالية واللطف و أحياناً القسوة نتيجة الضعف !!. لقد جمعت اليوم سبعة أقنعة جديدة من تلك التي سقطت من أصحابها ، وها هو الثامن سأضيفه  الآن ، هذا القناع الثامن هو قناع لآنسة أتقنت دورها بحق ، هو قناع لآنسة كنت أحترمها جداً وكانت في نظري  أميرة الاخلاق والأدب ، هي شخصية عرفها الجميع بطيبتها و حسن أخلاقها ، ولكن ما كان ذلك إلا زيف . حين كنت في طريقي عائدة إلى البيت إذ صادفت في طريقي امرأة تبكي فاقتربت منها وسألتها عن السبب فتبين لي أنها خادمة طردتها سيدتها بعد أن أبرحتها ضرباً، والسبب!!

أنها حرقت ثوب سيدتها ، كان اليوم من أبرد أيام السنة ، الجو بارد للغاية والبخار يخرج مع أنفاسنا ، وتلك البرك الصغيرة قد ملئت الطرقات التي سلكناها . بهدوء مريب توجهت مع الخادمة إلى الحي التي تسكن فيه ، وهناك رأيت المنازل الراقية ذات الحدائق الغناء و السيارات الفاخرة كان الحي نظيفاً وجميل تماماً كحي الملوك . بنظرة حزينة اشارت الخادمة إلى إحدى  تلك المنازل ، فعرفت أنه منزل سيدتها .


قررت انا وبدافع إنساني و نخوة عربية و انتعاشه غير طبيعية أن أعيد تلك الخادمة لعملها . تسابقت خطواتي نحو الباب و ضربت الجرس بهدوء، وما إن فتح الباب حتى صعقت من هول ما رأيت !! لا يعقل إنها " ميسون" أميرة شاشة التلفاز !! مذيعة قديرة أحبها الجميع حتى انا .. ولكن ليس بعد اليوم!!. ابتسمت ميسون ابتسامة صفراء ورحبت بي بسخاء ثم سألت إذا ما كان لدي موعد معها فأجبتها أنني لا أملك موعداً أبداً ، ثم عاودت لسؤالي ببرود إذا ما كانت لي حاجة معها فأخبرتها بما في جعبتي و طلبت منها أن ترأف بحال تلك المسكينة، فأجابت بلطف متصنع " لا توصي حريص" . ثم أشارت للخادمة  بالدخول ، و شَكْرتها وستأذنت بالذهاب وما إن أدرت ظهري حتى صفقت هي الباب بقوة . وسمعت بعدها صرخة الخادمة  تستنجد من ويل ما تفعله به تلك المتصنعة !!. هذه المواقف تذكرني تماماً بحياة المهرج الذي يرسم البسمة على وجوه الغير رغم أنه ربما يكون مجروحاً أو محطماً من الداخل . يبتسم ويضحك بالرغم من حزن قلبه . لقد اتقن هو الآخر دور الضاحك و أجاد تصنع المرح .إنما هؤلاء الناس مجرد [ ممثلين  ] يلعبون ادوارهم في مسرح ٍ كبير يدعى [ الحياة ]* .



تمت 




جميع الحقوق محفوظة *
بقلم / أسماء سالم 

السبت، 5 يوليو 2014

يدٌ مِن نَار || قصة قصيرة*


استيقظ أخيراً من غفلته , وها هو يغسل وجهه بماء الواقع و الندم , ليمحو معالم الخداع و يزيل مساحيق الزيف و الكذب ، الذي وضعها له أولئك المنافقون ، ها هو ذا ينفض غبار التخلف من على وجهه ذو المعالم الشقية التي اختفت منها ملامح السماحه ، بهدوء تام وفي حالة ذهول مثير للقشعريرة ، تقدم "فيصل" نحو خزانته و اختار ثوباً ذا لونٍ قاتم ، و ارتداه بهدوءٍ مريب ، وحدق في المراءة لبرهة ثم خرج من شقته ، بوجهه الشاحب  و عينين جاحظتين .


رغم صغر سنه إلى أن لحية ذقنه التي لم يحلقها منذ أيام ، ومعالم وجهه المصعوقة  من حادثة البارحة ، أظهرته كرجل أربعينيّ ، كـكهلٍ عقه أبنائه  في قارعة الطريق .  البرد ينهش عظامه ولكنه لم يعد يشعر !! وكيف له أن يشعر بعد الجريمة التي ساعد في ارتكابها ، ماذا يفعل ؟ أين المناص ؟ أين المفر ؟ ها هو اليوم يدرك الحقيقة التي قد عميت عينيه عنها !! . أنه اليوم مجرم !، و بالأمس مجرم ! ، وما قبله مجرم ! لكن ماذا عن الغد ؟ هل سيظل يرتكب جرائمه طوال حياته ؟ هل سيساعد في نشر الفساد وتشويه صورة الدين ، لحساب أولئك الذين يريدون تدمير الوحدة الإسلامية ؟! ، فيصل اليوم ينزف ! فحادثة الأمس جرحته جرحاً  بليغاً ، بل  وعذبته عذاباً شديداً !! . كان يشعر بأن غرفته هي قبره وكأنه يشعر بما يمر به صديقه الذي جازف بحياته ورمى بنفسه إلى التهلكة ، وقتل معه عمداً عشرات الأبرياء .


الشارع باردٌ جداً مازالت برك الماء متوزعة على حواف الطريق ، أطراف فيصل متجمدة ، شفتاه مزّرقتان  ، وعيناه قد جفتا ، وهو لا يشعر ، إنه كالطفل الضائع الذي فقد والديه لا يعرف إلى أين يأوي؟ وإلى من يلجأ ؟. ذلك  الصباح كان هادئاً للغاية ، بل و باهتاً دون شمس ، و حزيناً جداً لما حدث ليلة البارحة من سفك دماء .
و أخيراً قد مرت سيارة أجرة قديمة بجانبه ، دعاه صاحبها للركوب ، ليحتمي من ذلك البرد القارس ، و كقطعة ثلج ، و وجهٍ دون تعابير ركب فيصل تلك السيارة التي انطلقت ببطئ . صاحب المركبة عجوز في سن الخمسين ، مبتسمٌ دايماً رغم فقده لأسنانه الأمامية، ورغم ظروفه الصعبه التي علت ملامح وجهه . و بدأ العجوز يحدث فيصل و يحكي له عن هذه الحياة وعن تجاربه و يستخبره عن أحواله !! ، أما عجوز العشرين فلم يكن يجيب على سائق المركبة ، كان شادر الذهن ، لم يكن يملك عقله أصلاً ، كان يفكر بكل تلك الامور التي اقترفتها يديه ، بجريمته النكراء !! . جريمةٌ بشعة ، من أقذر الأعمال و امقتها بل واكبرها عند الله تعالى !!. يحدثه ضميره ويأنبه بقسوة ! ماذا فعلت يا فيصل ؟ ماذا فعلت ؟ ، بأي ذنب ٍ ساعدت على قتلهم ؟ قتلت أهلك يافيصل ! قتلت أهلك ! ، بالله عليك بأي طريقة استطاع ذلك الراهب أن يخدعكم ؟ انه ليس راهب بل هو كاذب ، صديقك الحميم محمد بالأمس لاقى مصرعه ، لابساً حزامه الناسف وسط أهله وأبناء عشيرته ، بين أهل داره و جيرانه ، في إحدى المجمعات . ظناً منه أنه سيقتل الكفار أعداء الدين وينسف تلك "الماركات" الدخيلة والتي هي لشركات اجنبية تنوي ادخال الفساد للمجتمع –كما تتدعون-  ، وأنت يا فيصل ! أنت من ربط له الحزام ، أنت من جهزته لتلك الليلة ، أنت كنت آخر من يحدثه و بإندفاع تقول له " مكانك الجنة يا شيخ " !!  أي جنة ؟ أي جنة التي سيخّلد فيها قاتل ؟ و اليوم تّدعي الحزن !؟ أي تناقضٍ هذا الذي تعيشه ؟ فيصل أنت وأمثالك لوثتم صورة الدين ! فلا دين يحثكم على الانتحار ، و لا دين يحثكم على قتل الأبرياء . فيصل ! أين كان عقلك حين كان يحاورك الراهب الكاذب ، حين كان يزين لك القتل ، و يشبهه بالاستشهاد ! ، حين كان يصف لك حور العين و العيون الجاريه و الأشجار ذات القطوف الدانية  ! يحكي لك عن النعيم و هو يقودك إلى الجحيم ! ، فيصل ماذا تظن نفسك ؟ داعية ؟ شيخ ؟ مجاهد ؟ مسلم ؟ لا ، لا ما أنت إلا إرهابّي تبيح قتل الأبرياء باسم  الدين ؟ فأي  جريمة أعظم من هذه ؟فمن قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً ، فيصل لم يعد لم مكانٌ هنا ! لا مكان للإرهاب في هذا البلد لا مكان للخداع  لا مكان للكذب لا مكان لأمثالك يا فيصل !! .
وعلى ذلك الخد الجاف ، البارد تنساب دمعةٌ حارقة من عيني فيصل ، دمعة مليئة بالندم ، دمعة راجية للتوبة . يقطع هذا الصمت الأليم صوت العجوز
- " بني لم تخبرني إلى أين تريد الذهاب ؟ "
 وبصوت مخنوق مرتجف - "إلى مركز الشرطة !!" .



تمت 
جميع الحقوق محفوظة 
لـ / أسماء سالم